نبذة عن أهمية كتاب “العواطف الروحية” لأيامنا هذه…

بقلم تشارلز دبليو كولسون

رسالة إدواردز  لأيامنا هذه…. 

الطاعة لله هي قلب رسالة إدواردز، وقد وعظ بها بأمانة، حتى عندما كانت رسالة لا تحظى بالشعبية. لكنه فطن للتفوق المطلق للطاعة الكتابية، خاصة لوصية المسيح بأن نكون شهوداً له. لذلك فإنه يتفق مع القول المأثور لـ إيه إن وايتهيد A. N. Whitehead بأن “الرياضيات هي ما نفعل، لكن الدين هو مَنْ نكون”. إن سمة الاستقامة الشخصية، وعيش الإنجيل كفرد خادم للمسيح الحي، هي حقيقة مفقودة في كثير من الحياة الدينية للأمريكيين اليوم. لقد قمنا بتنظيم، وتغليف، وبيع، وتسييس، وتأسيس الدين  institutionalize (إضفاء الصبغة المؤسسية عليه) مثله مثل الكثير من المنتجات والبرامج المتنوعة. لكن الإنسان ذو الديانة الحقيقية يهتم بمَنْ يكون أمام الله، وبتغيير شخصيته الذي يُحدثه عمل نعمة الله في القلب.

كان إدواردز يعتمد على الكتاب المقدس في مسألة أن سماع الكلمة ليس كافياً، ولا أيضاً فهم التعليم. بل لابد أن يتأثر الشخص بأكمله بالروح القدس لكي يستجيب بمحبة وامتنان لله؛ فيُنتج هذا حياة مقدسة.

بوجود هذه المفاهيم، جاهد إدواردز ضد العقائدية غير العملية وأصحاب النظريات الجامدة في الدين من ناحية، وضد المتحمسين العاطفيين غير المتزنين من الناحية الأخرى. لقد رفض الكثير من الهستيريا، والمشاعر الشاذة، والحماسة العابرة المرتبطة باجتماعات النهضة في أيامه.

ربما يصلح أن يكون كتابه “العواطف الروحية” قد كُتب لثقافتنا؛ فقد استبدلنا ببساطة تجاوزات العاطفة المتطرفة في أيام إدواردز (رغم أنك يمكن أن تدير بعض قنوات التليفزيون المسيحية وترى الكثير من مظاهر ذلك الآن أيضاً) بمظاهرنا الأكثر براعة للمسيحية الثقافية. الكثيرون ممَنْ يجلسون في مقاعد الكنيسة اليوم يستخدمون المصطلحات المسيحية، ويشاركون في كل حفلات الإفطار للصلاة، وفي المجموعات الصغيرة، وفي الاجتماعات والجمعيات المسيحية، ولكن قلوبهم في مثل قساوة أولئك الذين سيقول لهم المسيح في يوم من الأيام، “اذهبوا عني، لم أعرفكم قط”.

شدد إدواردز على أننا لا نستطيع أبداً أن نزرع عواطف روحية حقيقية بدون شعور متعمق بالخطية. إن قلب التجديد المسيحي هو أن يواجه الإنسان خطيته الشخصية وأن يرغب باستماتة في الخلاص منها. بمجرد أن نرى خطيتنا، لا نستطيع سوى أن نعيش في امتنان لنعمة الله المذهلة.

أنا أعرف ذلك بأكثر الطرق الوثيقة. ففي خضم فضيحة ووترجيت Watergate (كان تشارلز كولسون، قبل أن يأتي إلى الإيمان المسيحي، مساعداً في البيت الأبيض للرئيس الأمريكي نيكسون، وكان احد المتهمين في فضيحة “ووترجيت” في عهد نيكسون. وقد سُجن بالفعل، وفي السجن آمن بعمل المسيح الكفاري – المُحرر)، ذهبت للحديث مع صديقي توم فيليبس Tom Phillips . لقد أربكني تفسيره لمعنى “قبول المسيح”. كنت متعباً، فارغاً، ضجراً من الفضيحة والاتهامات، ولكني لم أرَ نفسي حقاً ولا مرة بأني أخطأت. كانت السياسة عملاً قذراً وكنت بارعاً فيها؛ وما فعلته، كما بررت لنفسي، لم يكن مختلفاً عن المناورات السياسية المعتادة. الأكثر من ذلك، كان الصواب والخطأ نسبياً، وكانت دوافعي هي لصالح البلاد – أو هكذا اعتقدت.

لكن في تلك الليلة عندما غادرت منزل توم وجلست بمفردي في سيارتي، اندفعت أمام عيني خطيتي الخاصة – ليس فقط مجرد السياسة القذرة، بل الكراهية والكبرياء والشر شديد التأصل في داخلي – اندفعت أمام عيني بقوة وألم. لأول مرة في حياتي، شعرت بالنجاسة، والأسوأ من كل ذلك، لم أستطع الهروب. في تلك اللحظات من الوضوح، وجدت نفسي مدفوعاً بصورة لا تقاوم إلى ذراعي الإله الحي. منذ تلك الليلة، أصبح لديّ وعي متزايد بطبيعتي الخاطئة؛ وما هو صالح فيَّ، أعرف دون أي شك أنه يأتي فقط من خلال بر يسوع المسيح. لقد كتب إدواردز عن نفس هذا الإدراك بعد عشرين عاماً من تجديده، فقال:

“إن لديّ رؤية مؤثرة عن خطيتي وشري بشكل متكرر للغاية، إلى الدرجة التي تبقيني فيها في حالة من البكاء بصوت مرتفع… حتى أنني كنت ملزماً في كثير من الأحيان بأن أغلق الباب على نفسي. كان لديّ شعور بمدى شري الشخصي وبرداءة قلبي أعمق كثيراً مما شعرت على الإطلاق قبل تجديدي… إنه أمر مؤثر أن أفكر، كم كنت جاهلاً وأنا مسيحي حديث بعد، بالأعماق السحيقة اللانهائية للشر والكبرياء والرياء والخداع المتروكة في قلبي.”

نتيجة هذا الوعي المتزايد بالخطية، يقول إدواردز، هو أن “ينمو القلب في الرقة والحنان“، ويفيض من هذه الرقة امتنان عميق لله لأجل رحمته، امتنان لا يمكن التعبير عنه إلا من خلال تقديم الخدمة لله.

يكرس إدواردز الجزء الأكبر من كتابه لهذا التأكيد بأن: “عواطف النعمة المقدسة لها ممارستها في الإيمان عن طريق الاختبار المسيحي العملي.” أن يكون لديك إيمان بكلمة لله لابد أن يعني هذا أن تتصرف بموجب ذلك، وأن تمارس الحياة الأمينة والمؤصلة بعمق والمقدسة. إن ممارسة أعمال الرحمة تجاه البشر – بأن تحب قريبك – هي ببساطة أن تتصرف بموجب قبول محبة الله في قلوبنا. مجرد المسيحية الإسمية هي تناقض يقتل الديانة الجوهرية الأساسية. رأى إدواردز الممارسة المسيحية كعلامة أكيدة على الإخلاص. فالأفعال هي أهم “علامة خارجية مرئية على النعمة الداخلية والروحية”، كما قال، مُردداً صدى الكتب المقدسة، “أفعال البشر هي تعبير عما في عقولهم أفضل وأكثر أمانة من كلماتهم.”

لكن الآن، قد نسأل، هل يمكن أن يتم استخدام الممارسة العملية كاختبار للمسيحية الحقيقية؟ لم يقدم إدواردز إجابة. فالإخلاص للمسيح لا يبرهَن عليه فقط من خلال مجرد الالتزام بالقواعد والقوانين، بل بأن يكون للإنسان قلب جديد؛ فما يهم هو الاتجاه الذي يكمن خلف العمل. لذلك بينما قد نقوم بأعمال مسيحية – مثل مَنْ يقومون بالحملات التبشيرية، أو السياسيين، أو المواطنين الذين لديهم روح المواطنة – لكن بدون الخدمة الأصيلة الصادقة والغيرية، تكون أعمالنا فارغة. الروح القدس وحده هو الذي يحث الإنسان حقاً، وهو الذي يعطينا تلك الحيوية التي تنمو لتصل إلى النضج والإثمار في الشخصية، الناجم عن الامتنان لله.

وهكذا ألقى إدواردز بنظرة طويلة وقوية على براهين التجديد الحقيقي – أي الثمر الذي يأتي بسبب العيش مثل المسيح. لا يكفي النهضات وانتظارها؛ كما أن العمل السياسي ليس كافياً كذلك. الإحسان والتصدق ليس كافياً أيضاً. إن أولئك الذين يطورون هذه الاتجاهات الحديثة للديانة الأمريكية التي تعتمد على الشكل الخارجي يحتاجون أن يُعاد توجيههم بواسطة كتاب إدواردز، “العواطف الروحية”؛ حيث أن إدواردز يخلص إلى الآتي:

“يوجد نوع من الممارسة الدينية الخارجية بدون أي اختبار داخلي، الأمر الذي لا يُعتد به في نظر الله. إنه لا يفيد شيئاً. كما يوجد أيضاً ما يُطلَق عليه اختبار، بدون أية ممارسة عملية، والذي بالتالي لا يتبعه أي سلوك مسيحي؛ ولا شيء أسوأ من هذا. لأنه كلما يجد الشخص في داخله قلباً للتواصل مع الله كإله، فإنه عندما يتم إرساله للحياة سيجد دائماً أن شخصيته تتأثر بالاختبار العملي لهذا الأمر. فإن كانت الديانة إذاً تتكون عامة من العواطف والمشاعر المقدسة، فإن عواطف الإنسان تُعبر عن نفسها أعظم تعبير بالممارسة العملية لهذه العواطف في الديانة الحقيقية…”.

إن كانت حقيقة المسيح الحي تعني أي شيء بالنسبة لثقافة القرن العشرين الغربية، فلابد أن يُرى المسيح بهذه الطريقة بيننا. لابد أن يتم إعلان الإنجيل من خلال تغييرات عميقة في شخصيتنا، وأن يتم التعبير عنه من خلال الخدمة الغيرية وسط ثقافة تمجد نفسها وتعظمها. لابد أن يتم توصيل ذلك من خلال التعبيرات العملية للرحمة، أي مشاركة الألم وتسديد احتياجات الفقراء والجوعى والمرضى والمسجونين.

فقط من خلال هذه التعبيرات العملية عن العواطف الروحية الحقيقية، وعن العلاقات الحقيقية بالمسيح المُقام، يمكن للنظرة المسيحية العالمية، التي هوجمت بشدة من الداخل والخارج، أن تنتشر في فراغ القرن العشرين.

بعد إدواردز بنصف قرن، كتب ويليام ويلبرفورس William Wilberforce “المسيحية الحقيقية” Real Christianity، وهو أول ما تم نشره من هذه السلسلة من الكلاسيكيات بواسطة دار نشر ملتنوما Multnomah؛ وهكذا يرشدنا نموذج ويلبرفورس إلى الطريق.

أولاً، استعاد ويلبرفورس حقيقة المسيحية بعواطفه هو الشخصية؛ فقد عاش المسيحية من خلال حملاته التي لا تكل لإلغاء الرق. إذ كانت أوروبا مغرقة بموجات مد النزعة الإنسانية humanism، كتب، “لقد رفعت الخيانة رأسها دون خجل”، ولكنه ختم، “لابد أن أعترف بجرأة كذلك بأن آمالي القوية الخاصة بسلامة وازدهار بلادي، لا تعتمد كثيراً على قواتها البحرية وجيوشها، ولا على حكمة حكامها، ولا على روح شعبها، بقدر ما تعتمد على الاقتناع بأنها لاتزال تحوي الكثيرين ممَنْ يحبون ويطيعون إنجيل المسيح؛ وأنا أؤمن أن صلواتهم سوف تنتصر في النهاية.”

تبع ذلك سريعاً واحدة من أعظم النهضات في العصر الحديث. لذلك هذا هو إيماني أيضاً، أن صلوات وعمل أولئك الذين يحبون ويطيعون المسيح في عالمنا سوف تنتصر في النهاية، إذ يواصلون رسالة شخص مثل جوناثان إدواردز. كما تصور إدواردز إذاً،

سوف تُعلَن وتُظهَر المسيحية الحقيقية بالطريقة التي بها، بدلاً من أن يكون الإنسان مُتفرجاً مُتقسي القلب، يعزز الشكوكية والإلحاد، يصبح الإنسان مُقتنعاً بأن هناك حقيقة في الدين – إذ يرى الناس أعمالهم الحسنة ويمجدوا أباهم الذي في السماوات“.

تشارلز دبليو كولسون

Charles W. Colson