نبذة عن كتاب “مباديء وتدريبات حياة التقوى”
بقلم جيريمي تيلور
لقد عشت لكي أرى الدين يُرسَّم على الأعلام والرايات، ويُطرَّح خارج الكنائس، والهيكل يتحول إلى خيمة اجتماع (عبادة بدائية مُتغربة عن حقيقة مَنْ هو الله- المُحرر). أصبح الله يُعبَّد، ليس كما هو في الحقيقة، أبو ربنا يسوع، ملك الآلام، ولا كإله السلام؛ بل بالأحرى كرب الجنود، وهو اللقب الذي سُر بأن يتخلى عنه عندما تم التبشير بملكوت الإنجيل بواسطة رئيس السلام. عندما يرتدي الدين السلاح، قد تكون له قوة السيف، لكن ليس قوة التقوى، وليس لنا علاج سوى شركة آلام المسيح، وثمار إله السلام. يميل الناس لتفضيل الخطأ الرابح أكثر من الحق المتألم؛ وأولئك القليلون الذين ليس لهم قصد في ديانتهم سوى أن يخدموا الله ويُخلِّصوا نفوسهم، يحتاجون بالفعل مثل هذه المعونة للمشورة الروحية لكي تُعينهم في جهادهم لاكتساب الفضائل، وتساندهم في المخاطر التي يتعرضون لها عندما يُجرَّبون بالخطية والموت. أعتقد أن لديَّ ما يكفي من الأسباب التي تدعوني لجمع تلك النصائح في بنية واحدة: أي في مجموعة من الوصايا والقواعد المقدسة للسلوك التي توضع في كتاب، حتى يكون لديهم دائماً؛ حيث أنهم لا يستطيعون أن يحظوا دائماً بنبي عند احتياجهم، ولا بمشقة أن يذهبوا إلى بيت الرب.
أعرف يا سيدي أن هناك البعض ممَنْ يضيفون الاحتقار والخزي إلى معاناة كنيسة انجلترا، وحيث أن اجتماعاتها المهيبة متشتتة، يعتقدون أن الدين قد ضاع، وأن الكنيسة قد طُلَّقت من الله. حيث أننا نريد الآن بركات الشركة الخارجية (الشركة الاجتماعية وليست الروحية- المُحرر)، والتعاون مع أناس مزدهرين وغير متألمين، علينا أن نُقيِّم أنفسنا، وعلى كل إنسان أن يقدم حساباً عن حالة نفسه، بواسطة الجوانب الأساسية من الدين، أكثر منه بواسطة الإشارات غير الأكيدة لأية موالاة خارجية. فرغم أنه من الصعب التأكد، عندما يكون الإنسان عضواً في كنيسة، هل هو حقاً عضواً في المسيح أم لا (لأنه في شبكة الكنيسة توجد الأسماك الجيدة وتلك الرديئة) يمكن أن نتأكد أننا إذا كنا أعضاء في المسيح، فنحن أعضاء في الكنيسة لأجل كل أغراض الديانة الروحية والخلاص.
الإنسان الذي ينتمي حقاً لله هو الذي يؤمن ويعتمد Baptized في كل جوانب الإيمان المسيحي، ويدرس ويطور معرفته بأمور الله، مما يجعله يعيش حياة مقدسة بأفضل صورة. الإنسان الذي في طاعته للمسيح يعبد الله باجتهاد وكثيراً وباستمرار، بعبادة طبيعية بسيطة، أي بالصلاة والتسبيح والشكر؛ الإنسان الذي يستغل كل الفرص لكي يتذكر موت المسيح عن طريق تكرار ممارسة الأسرار المقدسة، بقدر الإمكان، أو عن طريق الأفعال الداخلية للفهم والإرادة والتذكر (أي الشركة الروحية للعشاء الرباني) يعيش المعنى الروحي للطقس الخارجي. الإنسان الذي يعيش بعفاف، ويكون رحيماً، ويحتقر العالم فيستخدمه كإنسان لكنه لا يتخلى عن مسئولياته، والذي يكون مُنصفاً في تعاملاته، ومُجتهداً في عمله؛ الإنسان الذي يكون مُتضعاً في روحه، وطائعاً للحكومة، وراضياً بنصيبه ووظيفته؛ الإنسان الذي يؤدي واجباته لأنه يُحب الله، وبصفة خاصة إن كان بعد كل هذا يتألم ويعاني لكنه يصبر أو يكون مُستعداً للألم لأجل الله: الإنسان الذي لديه هذه العلامات الاثني عشر للنعمة فإنه بكل تأكيد أيضاً ينتمي لله، ويكون ابنه بمثل يقينية أنه مخلوقه.
هذه هي سمات الرب يسوع، وصفات المسيحي: هذه هي الديانة الجيدة، وهذه الأمور وضعتها نعمة الله تحت سلطتنا، وجعلتها نواميس الله مسئوليتنا، وجعلتها طبيعة الإنسان واحتياجات المصلحة العامة، ضرورية. أما الأحداث والمناسبات القومية الأخرى للكنيسة، فهي أمور ليست تحت سلطتنا، وليست باختيارنا. من الجيد أن يتم استخدامها عندما يمكن القيام بها، وهي تساعد على توضيح أو الاستفادة من الديانة: إلا أنها ليست في مثل بنيتها باعتبارها مسيحية، وتساهم في الخلاص.
هذا هو الوضع الآن بالنسبة لنا نحن الذين خضعنا لتلك الديانة التي لا يمكن لإنسان أن يمنعها، والتي نستطيع أن نحافظ عليها وسط الاضطهاد، والتي بواسطتها نستطيع أن نكون خداماً لله، ونتلقى روح المسيح، ونستفيد بتعزياته، ونعيش في محبته وفي محبة لجميع البشر. لقد ذكرت ما يجب على البشر أن يفعلوه، وبأية وسيلة يمكن أن يحصلوا على المساعدة، بمثل السرعة التي يمكن أن أعتقدها ضرورية لتأسيس قاعدة. باستخدام مثل هذه القواعد، رغم أنها واضحة ومفيدة وملائمة لأفضل وأسوأ العقول، ولاحتياجات جميع البشر، إلا أني أرغب في أن يواصل القاريء مع النصائح التالية.
أولاً، أولئك الذين يستفيدون من الوسائل الملائمة للفضيلة، لابد أن يعيشوا كما لو كانوا دائماً تحت يد الطبيب؛ حيث أن مشورات الدين لا يجب أن يتم استخدامها عند اضطراب النفس كما اعتاد الناس أن يتناولوا العقاقير؛ لكنها لابد أن تسكن في روح الإنسان، وأن تشغل فكره باستمرار: لابد أن يتم استخدامها مثل غذاء، أي بصفة يومية وبعناية وتفكير، وليس مثل عقار دوائي يؤخذ مرة واحدة عند ضغط الحاجة الفعلية الحالية إليه. المشورات والأقوال الحكيمة التي يتم استخدامها في حالة الاضطراب الفعلي، هي في أفضل صورها ليست سوى تقديم روائح نفاذة لشخص مصاب بالصرع، في بعض الأحيان قد تفيقه وتنعشه، ولكنها لن تعالجه أبداً. إن القواعد التالية، إذا أصبحت مألوفة لطبيعتنا وأفكارنا كل يوم، قد تجعل الفضيلة والدين أكثر سهولة واعتيادية، لكن عندما تأتي التجربة، وتكون قد استحوذت بالفعل على بعض نواحي رضانا وموافقتنا، لا نكون ميالين تماماً للمساعدة، ولا نجد شهية أو متعة في الوصية. فالمقاطع والتعاليم الكتابية كما هي لا تتغير، لكن الأداة تكون بلا أوتار أو غير متناغمة.
ثانياً، عند استخدام وسائل الفضيلة، لابد أن نميز الوسائل من الواجبات، والنصائح الحكيمة من التحذير الضروري. إن كان بواسطة أية وسيلة أخرى يمكن تحقيق الواجب، ليته لا تثار أية شكوك أو تردد. يوجد بعض الأشخاص الذين نفخ فيهم روح الله شعلة الحب بصورة قوية للغاية، بحيث أنهم يقومون بكل أفعال الفضيلة باختيار تام وبدون مقاومة داخلية، وتكون غيرتهم أكثر حرارة من أن تخففها أو تضعفها التجربة: بالنسبة لهؤلاء الأشخاص فإن الإماتة بواسطة الوسائل الفَلسفيَّة، مثل الصوم، ولبس المسح، وغيرها من تقشفات الجسد تكون غير نافعة بالمرة، فهي دائماً وسائل غير أكيدة لاكتساب الفضيلة، أو لتأدية أي مسئولية. فإن كان الحب يملأ كل جوانب نفسنا، فهو وحده القادر على أن يقوم بكل عمل الله.
ثالثاً، حيث تكون المسئولية ضرورية، والوسيلة معقولة ومنطقية، لا تنشغل كثيراً بالجدل ما إذا كان يمكن في كل الظروف أن تتناسب مع حالتك الخاصة، لكن قم باستخدامها. إنها علامة جيدة على الديانة العظيمة، وليست تهوراً – عندما نكون قد فكرنا بشكل كافٍ في طبيعة الأمور – أن نكون عندئذٍ سلسين ومتضعين وطائعين ومتحفزين وغير متشككين. فالإنسان الذي يقدم صدقة وإحسان، يفعل أفضل ما في وسعه لكي يعطي بحرية، وبسخاء، دون أن يعطي انتباهاً لعطائه. يجب على الإنسان عند توبته ألا يحسب الأمور الصغيرة كبيرة؛ لكن للخطية العظيمة يكون هناك حزن عظيم، وصرامة عظيمة. إن القياسات الحسابية، خاصة من جهة نسبنا الشخصية، ما هي إلا براهين على الافتقار إلى الحب أو وسائل للحيرة والتردد، وبذلك تصبح خطرة. استخدم القاعدة بإخلاص وبصورة كافية، ولن يكون هناك أي ضرر من أن تتعرض للخطأ، إن حدث.
رابعاً، إن كنت تنوي بإخلاص أن تخدم الله وتتجنب الخطية، لا ترفض أصعب ولا أقسى نصيحة لكي تقوم بذلك، لأنه مهما كانت هذه النصيحة، فالعادة سوف تجعلها سهلة.
خامساً، عندما يتم اقتراح أدوات ووسائل متعددة لاكتساب أية فضيلة، أو كبح أية رذيلة، لاحظ أي منها هو الذي يلائم شخصيتك أو احتياجك، واستخدمه، بحيث يمكن أن تكون مُنشغلاً بالحذر واليقظة واستخدام الوسائل المختلفة والملاحظة الروحية لنفسك. فكما أن الفائدة أعظم، فالاحتياجات أكثر، والظروف أكثر تعقيداً، والحوادث والأخطار أعظم وأكثر إزعاجاً. يتطلب هذا الأمر مهارة أعظم من امتلاك عقار، أو استرداد الصحة لجسم عاجز واهن. أتمنى لو أن كل البشر الذين على الأرض يؤمنون بحماسة إيماناً قوياً بأن هذا حقيقي؛ فهو من شأنه أن يساعد كثيراً في القيام بعمل الله. بأعظم شعور بالمسئولية والمحبة،
جيريمي تيلور
Jeremy Taylor