“غبار الموت فى كل مكان” – مقال من كتاب “الموت فى المدينه” Francis Schaeffer
نوفمبر 7, 2018
“أبديه الجحيم 2” – المقال الثانى من كتاب “الخطيه خاطئه جدا” Ralph Venning
نوفمبر 20, 2018
“غبار الموت فى كل مكان” – مقال من كتاب “الموت فى المدينه” Francis Schaeffer
نوفمبر 7, 2018
“أبديه الجحيم 2” – المقال الثانى من كتاب “الخطيه خاطئه جدا” Ralph Venning
نوفمبر 20, 2018

“رعاه كثيرون أفسدوا كرمى” – مقال من كتاب “الموت فى المدينه” Francis Schaeffer

رعاه كثيرون أفسدوا كرمى

يسألنا الله: “أتتطلعون إلى العالم طلبًا للمساعدة؟”. سيخزيكم هذا العالم. ستخزون. فإن الكنيسة التي تنادي بوجود حق في جيلٍ من النسبية، والتي تقول إن الله موجود، في حين يحول اللاهوت الجديد الديانة إلى مجرد علم نفس – سيكون عليها أن تبرهن على كونها تؤمن بالفعل بأن الله موجود. ينبغي علينا أن نلجأ إلى الله طلبًا للمساعدة. كما اعتاد هدسون تيلور Hudson Taylor أن يقول، “لابدّ أن يكون العمل هو عمل الله، ولا بد أن يُعمَّل بأسلوب الله وبطرقه”.

وهكذا، يتكلم إرميا بخوفٍ ورعدةٍ، مستخدمًا صورة بلاغية قوية ونافذة للغاية. فإن دينونة الله كانت عتيدة أن تأتي على هذه الأرض إذ انصرف البشر عنه بشدة، وبدلًا من أن يحظى هذا الملك بالجنازة المهيبة التي لطالما أراد ملوك يهوذا أن يحظوا بها، كان من شأن هذا الملك أن يُدفن دفن حمار. وكيف تدفن حمارًا؟ تسحبه إلى خارج المدينة، وتطرح جثته، فينتهي الأمر. هذا هو نوع الدينونة الآتية من الله على الجيل الذي انصرف عنه. ومرة ثانية نشعر في إرميا 25: 9-11 بالتركيز ذاته على الهلاك التام: “هأنذا أرسل فآخذ كل عشائر الشمال، يقول الرب، وإلى نبوخذراصر عبدي ملك بابل، وآتي بهم على هذه الأرض وعلى كل سكانها وعلى كل هذه الشعوب حواليها، فأحرِّمهم وأجعلهم دهشًا وصفيرًا وخربًا أبدية. وأبيد منهم صوت الطرب …”. كان جيل إرميا يذهبون إلى كل مكان طالبين صوت الطرب، حتى حيث لم يكن هناك طرب حقيقي. لكن يقول لهم الله: “سأبيد منهم صوت الطرب”، ويسأل: “وماذا ستكون الأداة التي سأستخدمها؟” “سأستخدم أمة ليست شعبي، قوة عسكرية لا تتبع الإله الحي، وسأستخدمها ضدكم“.

لم يكن وعظ إرميا موجهًا ضد النخبة السياسية فحسب، لكنه كان وعظًا ضد القادة الدينيين، أكثر من غيرهم، الذين كانوا يضلون الشعب بعيدًا عن إعلان الله اليقيني الثابت. في إرميا 2: 8 نقرأ: “الكهنة لم يقولوا: أين هو الرب؟ وأهل الشريعة لم يعرفوني، والرعاة عصوا عليَّ، والأنبياء تنبأوا ببعل، وذهبوا وراء ما لا ينفع”.

وبالتالي يلتفت إرميا إلى الشعب ويسأل: “هل يقودكم قادتكم الدينيون في طريق قويم؟”

فيجيب: “لا”

“هل ينبغي إكرامهم فقط لكونهم قادة دينيين؟”

“ليس حين لا يعظون بما هو حق”.

قطعًا هذه هي الرسالة التي لا بد أن ننطق بها اليوم لعالم ما بعد المسيحية الذي نعيش فيه. علينا أن نعامل البشر بمحبة، أن نتعامل معهم ونكلمهم بشكل إنساني. لكن مع ذلك، لا ينبغي أن نخفف من لهجة رسالتنا: فإن القادة الدينيين في زماننا هم أيضًا يضلون الشعب. لا شيء في الكتاب المقدس يعفي إنسانًا من وقوعه تحت دينونة هذا الكتاب فقط لكونه قائدًا دينيًا. بل في حقيقة الأمر ما يحدث هو النقيض تمامًا.

في إرميا 12: 10 يقدم لنا الله صورة نابضة بالحياة عن الخراب والهلاك الذي جلبه القادة الدينيون على الشعب: “رعاة كثيرون أفسدوا كرمي، داسوا نصيبي. جعلوا نصيبي المشتهى برية خربة”. فقد داس القادة الدينيون بستان الله، وأخربوه. في سويسرا، لكل ورقة عشب قيمة ثمينة؛ فإنك لا تجرؤ على أن تخطو داخل أي حقل. سيكون هذا بمثابة دوسك فوق حديقة ورود لشخص آخر. لكن هوذا حقل الله، وقد داس أحدهم العشب. هل من فعل هذا هو الرجل العادي؟ لا، ليس في الأساس. بل كان القادة الدينيون هم من جعلوا الكرم خربًا، برية خربة. بالطبع إذن، لا ينبغي أن نقصِّر في انتقاد القادة الدينيين، بينما هم من يجلبون الخراب.

ولذا أخاطبك، أيتها الكنيسة؛ أخاطبك، أيها الجيل، بل وأخاطب حتى ذلك الجزء من الكنيسة الذي صار متذبذبًا عند الحواف – أخاطبكم وأقول إن الله سيُدين! إن لم نتحلَّ بالشجاعة لنقول ذلك، ونعنيه، فلا يمكن أن نتوقع من الشباب أن يقوموا بما هو أكثر من مجرد التمتمة بكلمات دينية، كلمات دينية، كلمات دينية.

أود أن أقول لكم أنتم يا من تطلقون على أنفسكم مسيحيين مؤمنين بالكتاب المقدس، إن رأيتم كلمة الله ينالها التشويه كما هو حالها في زماننا، ولم يؤثر فيكم هذا دافعًا إياكم إلى ذرف الدموع والاستياء، فإنني أتساءل إن كنتم تحبون الله على الإطلاق. ينبغي أن يملأنا التعجب والذهول من اجتراء البشر على معاملة كلمة الله بهذه الصورة.

حري بنا أن نتذكر أن كل هذا ما هو إلا تفسير وشرح ممتد لنص رومية 1: 21-22 “لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء”. رأى إرميا الناس يشعلون النار في كلمة الله، فقال: “ألا تفهمون ما سيحدث؟ سوف تُحملون إلى بابل. سيدينكم الله”. إن تسنى لنا نحن، المسيحيين الذين نؤمن بالكتاب المقدس، أن نرى كلمة الله، أي تواصل الله اللفظي الثابت والمكتوب، تلقى هذه المعاملة التي يعاملها بها قطاع كبير من الكنيسة، ولم يتملكنا الأسف والحزن والاستياء، فلا نصرخ: “لكن ألا تدركون نهاية هذا؟” – فإن تساؤلي هنا هو: أنحب الله؟ أنحب كلمته؟ بل هل نؤمن حقًا بأنه موجود؟ إن كنا نحارب في معاركنا الفسلفية، أو الفنية، أو العلمية، أو في معاركنا في علم الاجتماع، وفي علم النفس، وفي الأدب، وفي الدراما، بتبلد وبرود، دون أن تتحرك عواطفنا، أفنحب الله حقًا؟ كيف لنا أن نخوض هذه المعارك دون أن تؤثر فينا كما أثرت في إرميا؟ كيف لنا أن نتكلم عن الدينونة، ولا تتساقط منا الدموع مثل هذا النبي الباكي؟

ليس بالشيء الهين أن نثبت راسخين على رسالتنا. بل من السهل الانسحاب. يستطيع كل من الهيبيز والإنجيليين على حد سواء أن ينسحبوا ويتقهقروا بسهولة إلى جحورهم الصغيرة، مخاطبين أنفسهم بكلام لطيف، وغاضين أبصارهم عن الوضع الحقيقي المحيط بهم. هناك طرق عديدة للانسحاب. لكن إن كان أحد يعظ ويكرز بكلمة الله حقًا إلى عالم ما بعد المسيحية، فلا بد أن يدرك جيدًا أن الحال على الأرجح سينتهي به كما انتهى بإرميا. (إن مَنْ يتكلم حقاً بكلمة الله إلى هذا الجيل وإلى هذه المباني الكنسيَّة فسوف يُرفَّض – المُحرر).

لا ينبغي أن نظن أن ضيقات وتجارب إرميا كانت جسدية فحسب. بل كانت نفسية أيضًا، إذ لم يشهد إرميا وقوع أي تغيير البتة في أثناء حياته. فقد علم أن الشعب سيرجع ثانية من السبي بعد سبعين سنة، لكنه لم يظل على قيد الحياة ليرى هذا. فقد عاش إرميا، مثله مثل أي إنسان، عاش حياة وجودية حقيقية واقعية تحت سطوة وحد سيف الزمن On the knife-edge of time – عاش لحظة بلحظة moment by moment  ؛ ومثلنا جميعًا، عاش يومًا فيوم حبيسًا داخل حدود الحقيقة الحياتية لزمنه.

لم يكن إرميا مجرد قطعة من الورق بلا احساس؛ بل كانت له حياة نفسية مثلك ومثلي. ماذا إذن كان تأثير هذا عليه؟ كانت هناك أحيان شعر فيها إرميا بخيبة الأمل والإحباط، إذ غمره ودحره وعظه وكرازته برسالة الله بأمانة إلى هذا المجتمع، وانتهاء الحال به في المقطرة، والسجن، والجب.