“ولتكن نعمة الرَّب إلهنا علينا، وعمل أيدينا ثبت علينا، وعمل أيدينا ثبته.” (مزمور17:90)
نحن نعيش في زمن الفراغ الداخلي والتسطُّح. نعيش في زمن “المسيحية السُوقيَّة” والباعة الجائلون. إنه زمنٌ قد انقلبت فيه الأعمدة “إذا انقلبت الأعمدة، فالصديق ماذا يفعل؟” (مز3:11). لقد انقلبت الأعمدة والمسكن ينهار على ساكنيه.
نعيش اليوم في زمن جفافٍ مؤلمٍ، وأرضٍ جرداء قاحلة، وشبه غيابٍ تامٍّ للقيادة وللقدوة الروحيَّة الطاهرة والبارَّة “وأجعل صبيانًا رؤساء لهم، وأطفالاً تتسلَّط عليهم.” (إشعياء4:3)، هذا هو حالنا اليوم. كان هذا عقاب الله للشعب في القديم، والمُشاهد المُدقق الصادق مع نفسه، يرى هذا العقاب حادث وحالّ بيننا في بلادنا وفي كنيسة بلادنا.
وعندما نتوقف بأمانة لنفحص الواقع الروحيّ المحيط بنا في بلدنا، وأيضًا في الشرق الأوسط؛ نجد فقرًا شديدًا – بل شبه مجاعة – في عنصر التعليم الإلهي والمُعلِّم الممسوح من جهة، وعنصر الكلمة المقروءة الفعَّالة من جهةٍ أخرى. وكان لهذا كلِّه تبعيَّات كارثيَّة على الكنيسة وعلى هؤلاء المسيحيين الأمناء الذين يبحثون حقًا عن الله ويسعون لحياة البر.
تحت ضغط هذا الفقر الشديد، وتحت إلحاح الاحتياج العميق للأمناء، جاءت فكرة هذا المشروع “مشروع ترجمة الكلاسيكيات المسيحية“. وهذه الكلاسيكيات هي تلك الكتب التي أثبتت عبر التاريخ رجاحتها اللاهوتيَّة وعمقها الروحيّ وتأثيرها الفعَّال في بناء الحياة المسيحية الحقيقية والأصيلة. تلك الكتب التي أثبت التاريخ، وشَهِد لها القديسون عبر تاريخ الكنيسة، أنها لعبت دورًا إلهيًا أساسيًا في هداية الإنسان المسيحي في بحثه عن الله وسعيه الحثيث في حياة البرِّ والقداسة. في إيماننا المسيحي نحن نقف على أكتاف مَنْ سبقونا. وللأسف فإن مكتبتنا العربية تفتقر لهذه النوعية من الكتب المسيحية.
“إذا انقلبت الأعمدة، فالصديق ماذا يفعل؟” (مز3:11)، لكننا نقول إنه مهما انقلبت الأعمدة فمازال هناك الصدِّيقون، حتى وإن كانوا قليلين جدًا. ولهؤلاء الصدِّيقين القلائل نقدم هذه الكلاسيكيات المسيحية، لتكون كالمنارة الهادية. إنهم قلائل، ولكن لهؤلاء القلائل جاء المسيح وقُبرَ وقام، وسيأتي ثانيةً في سحاب المجد ليأخذهم معه. لهم قال السيد “لا تخف، أيُّها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سرَّ أنْ يعطيكم الملكوت.” أمّا العامَّة، فهذه الكلاسيكيات تدعوهم للخروج من “الفخ“ الذي وضعته لهم الحياة ووضعوه هم أيضًا لأنفسهم. نقول لهم لم يفُتْ الوقت بَعدُ لتغيير المسار والخروج من الكهف، ولكنّه حقًا وقتٌ قصيرٌ جدًا، ومُقصّرٌ وحالاً ستُغلّق الأبواب على العذارى الجاهلات. هؤلاء العذارى الجاهلات اللاتي يملأن أسواق “المسيحية السُوقيَّة” ويجدر بهنْ أن يستمعنْ للكلمات الخالدة من عملاق المسيحية في القرن التاسع عشر، سورين كيركجارد Soren Kierkegaard “هؤلاء العذارى الجاهلات قد فقدن الوَلَع المتّقد اللامتناهي لانتظار العريس Infinite Passion of expectation“، ولذلك أُطفئت مصابيحهن. أما العذارى الحكيمات الساهرات، فستكون لهنْ هذه الكلاسيكيات – التي شهد لها الزمن والزمان عبر تاريخ المسيحية – كطوق نجاة، وكقطرات ماء من ينبوع الماء الحي للنفس العطشة المتألمة السائرة في وسط صحراء الحياة الجرداء وأرضها القاحلة.
د. سامي فوزي
القاهرة، مايو 2013