“حالة الإنسان الشقية” – مقال من كتاب “باسكال” Blaise Pascal
فبراير 27, 2024
“حالة الإنسان الشقية” – مقال من كتاب “باسكال” Blaise Pascal
فبراير 27, 2024

“الجهاد فى الحياه المسيحيه”- مقال من كتاب “دعوه جاده لحياه الخشوع والتقوى (الجزء الأول)” William Law

فرغم أن صلاح الله ومراحمه الغنية في المسيح يسوع هي يقين كاف بالنسبة لنا، أنه سيكون رحيماً بضعفاتنا ونقائصنا التي لا يمكن تجنبها، أي تجاه مثل تلك التقصيرات التي تعتبر نتائج للجهل أو المباغتة؛ إلا أنه ليس لدينا أي مبرر أن نتوقع نفس الرحمة تجاه تلك الخطايا التي نعيش فيها، من خلال افتقارنا إلى النية والتصميم على تجنبها.

على سبيل المثال، فإن حالة الشخص الذي يحلف بصفة شائعة، والذي يموت وهو في ذلك الإثم، يبدو أنه لا يستطيع المطالبة بالرحمة الإلهيَّة؛ وهذا لأن الشخص لن يستطيع بعد ذلك أن يجادل ويبرر موقفه بأن هذا يرجع إلى أي ضعف أو نقيصة، أكثر مما يستطيع الإنسان الذي أخفى وزنته في الأرض أن يزعم افتقاره إلى القوة للحفاظ عليها خارج الأرض. 

لكن إن كان هذا جدل سليم في حالة الحلاَّف العادي، أن خطيته لن تعتبر ضعفاً يمكن غفرانه لأنه لا يوجد لديه ضعف يبررها، فلماذا إذاً لا نطبق هذا الجدل بمداه الحقيقي؟ لماذا لا ندين بالمثل كل خطية أخرى في الحياة، والتي لا يوجد ضعف يبررها، أكثر مما يوجد في خطية الحلف الشائع؟

فإن كان هذا أمراً شديد الرداءة، لأنه يمكن تجنبه لو أننا فقط قصدنا ذلك بإخلاص، ألا يجب إذاً أن تكون كل طرق الحياة الأخرى الخاطئة شديدة الإثم، إن عشنا فيها، ليس بسبب الضعف وعدم القدرة، بل لأننا لم نقصد ونصمم قط على تجنبها بإخلاص؟

على سبيل المثال، ربما لم تحقق أي تقدم في أهم الفضائل المسيحية، بل أنك بالكاد تذهب إلى نصف الطريق في الاتضاع والإحسان؛ فالآن، إن كان فشلك في هذه الواجبات يرجع بالكامل إلى افتقارك للنية والعزم على القيام بها بأية درجة حقيقية، ألا تكون إذاً ضعيفاً للغاية في محاولة تبرير نفسك؛ وألا تكون بالمثل بدون أي عذر، مثلك مثل الحَلَّاف المبتذل؟

لماذا إذاً لا تثقِّل هذه الأمور على ضميرك؟ لماذا لا تعتبر أنه من الخطير أن تعيش بمثل هذه الهزيمة، حيث أنه في قدرتك أن تصلحها، كما هو من الخطير بالنسبة للحلاَّف المبتذل أن يعيش في خرق لذلك الواجب، الذي في مقدوره أن يراعيه؟ أليس الإهمال والافتقار إلى النية المخلصة، هو أمر يستوجب اللوم في تلك الحالة كما في الأخرى؟

ربما تكون أنت أبعد ما يكون عن الكمال المسيحي، مثلما يبعد من يحلف بصورة معتادة عن حفظ الوصية الثالثة. ألا تكون بالتالي مداناً بنفس القدر بكسر تعاليم الإنجيل، مثلما يكون الحلاَّف مداناً بكسر الوصية الثالثة؟

ربما تقول أن جميع الناس يقصرون عن بلوغ كمال الإنجيل، وبالتالي تكون راضياً بنقصاتك. لكن هذا ليس له علاقة بما أقصده. فالمسألة ليست ما إذا كان يمكن بلوغ كمال الإنجيل تماماً، بل ما إذا كنت تقترب منه بقدر ما تستطيع أن تحملك النية المخلصة والاجتهاد الحذر؛ وما إن لم تكن في حالة أدنى كثيراً مما يمكن أن تكون عليها إذا صممت بإخلاص وعملت بعناية على تطوير وتحسين نفسك في كل الفضائل المسيحية. 

إذا كنت متقدماً في الحياة المسيحية كما يمكن أن يجعلك أفضل سعي وجهاد لك، عندها يمكنك أن تأمل بإنصاف ألا توضع نقصاتك في نطاق مسئوليتك. لكن إن كانت نقصاتك في التقوى والاتضاع والإحسان ترجع إلى إهمالك وافتقارك للنية الخالصة أن تكون أفضل ما يمكنك أن تكون عليه في هذه الفضائل، فإنك تترك نفسك بدون عذر مثل الإنسان الذي يعيش في خطية الحلف والقسم بسبب افتقاره إلى نية وتصميم مخلص لنبذها. إن خلاص نفوسنا يقدم في الكتاب المقدس كأمر صعب، يتطلب كل اجتهادنا، وعلينا أن نتممه بخوف ورعدة. (فيلبي 2: 12).

لقد تم إخبارنا أنه “ما أضيق الباب وأكرب الطريق المؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (متى 7: 14) وأن “كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون” (متى 22: 14) وأن الكثيرين ممن كان يبدو أنهم قد تكلفوا بعض المشقة في الحصول على الخلاص سيخفقون في خلاصهم، كما في الآيات: “اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق فإني أقول لكم أن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون” (لوقا 13: 24). 

يوصينا مخلصنا المبارك هنا أن نجتهد لكي ندخل من الباب الضيق، لأن الكثيرين، الذين فقط يطلبون أن يدخلوا، سيفشلون في ذلك. يعلمنا هذا بوضوح أن التقوى هي حالة من العمل والجهاد، وأن الكثيرين سيفشلون في خلاصهم؛ ليس لأنهم لم يتحملوا أية مشقة أو يعيروه أي اهتمام، بل لأن ذلك لم يكلفهم ألماً واهتماماً بما يكفي؛ لقد طلبوه فقط، ولكنهم لم يجتهدوا للدخول فيه.

لذلك فكل مسيحي يجب أن يمتحن حياته بواسطة هذه التعاليم كما بالوصايا أيضاً. لأن هذه التعاليم هي إشارات واضحة لحالتنا كما أن الوصايا هي إشارات واضحة لواجبنا. 

لأنه إن كان الخلاص يُعطَي فقط لأولئك الذين يجاهدون لنواله، لكان أمراً معقولاً بالمثل بالنسبة لي أن أفكر ما إذا كان طريقي في الحياة هو طريق الجهاد للحصول عليه، مثلما أفكر ما إذا كنت أحفظ وأطبق أي من الوصايا.

إن كانت ديانتي هي فقط التزام شكلي بأساليب العبادة المألوفة في المكان الذي أعيش فيه؛ إن لم تكن تكلفني أي ألم أو مشقة؛ إن لم تكن تضعني تحت أية قواعد وكوابح؛ إن لم تكن لديّ أية أفكار حريصة وتأملات رصينة بشأنها، ألا يعتبر ضعف عظيم أن أعتقد أنني أجاهد لكي أدخل من الباب الضيق؟

إن كنت أسعى لأي شيء يمكن أن يبهج حواسي، ويلذذ رغباتي؛ فأنفق وقتي وأموالي في المتع واللهو والملذات الدنيوية؛ وإن كنت غريباً عن السهر والصوم والصلوات والإماتة؛ كيف يمكن أن يقال أنني أتمم خلاصي بخوف ورعدة؟

إن لم يكن هناك شيء في حياتي وحديثي يُظهر أنني مختلف عن اليهود والوثنيين؛ وإذا كنت أستخدم العالم والمتع العالمية كما يفعل غالبية البشر الآن، وكما كانوا يفعلون في كل العصور، لماذا يجب عليّ أن أفكر أنني بين أولئك القليلين الذين يسلكون عبر الطريق الضيق إلى السماء؟

ومع ذلك، إن كان الطريق ضيقاً، وإن كان لا أحد يستطيع أن يسلك فيه سوى أولئك الذين يجتهدون، أليس من الضروري بالمثل بالنسبة لي أن أفكر ما إذا كان الطريق الذي أسير فيه ضيقاً بما يكفي، أو أن الجهد الذي أقوم به هو جهاد كافٍ، بقدر ما أفكر ما إذا كنت أحفظ بما يكفي الوصية الثانية أو الثالثة؟

ملخص الأمر كله هو هذا: مما سبق، ومن الكثير من المقاطع الكتابية الأخرى، يبدو واضحاً أن خلاصنا يعتمد على إخلاص وكمال مجهوداتنا للحصول عليه.

سيتم قبول البشر الضعفاء والناقصين، على الرغم من نقصاتهم وضعفاتهم، لكونهم قد أرضوا الله، إن بذلوا أقصى جهدهم لإرضائه.

إن مكافأة الإحسان والمحبة والتقوى والاتضاع، سوف تُعطى لأولئك الذين كانت حياتهم اجتهاداً دقيقاً لممارسة هذه الفضائل بأعلى المستويات التي استطاعوا الوصول إليها.

لا نستطيع أن نقدم لله خدمة الملائكة؛ فنحن لا نستطيع أن نطيعه كما كان يمكن للإنسان أن يفعل في حالة الكمال؛ لكن البشر الساقطين يمكنهم أن يبذلوا أقصى جهدهم، وهذا هو الكمال المطلوب منا. إنه فقط كمال أفضل مساعينا ومجهوداتنا: العمل الدقيق على أن نكون كاملين بقدر ما نستطيع.

لكن يجب أن نعرف أننا إن قصرنا في هذا، سنقصر عن بلوغ رحمة الله، ولا نترك لأنفسنا شيء نلتمسه من نعمة الإنجيل. لأن الله هناك لم يقطع وعوداً بالرحمة للكسالى والمهملين. إن رحمته تقدم فقط لضعفنا ونقصنا لكن أيضاً لأفضل مساعينا لممارسة كل سلوكيات البر. 

كما أن القانون بالنسبة للملائكة هو البر الملائكي، وكما أن القانون بالنسبة للكائنات الكاملة هو الكمال الصارم، هكذا فإن قانون طبيعتنا الناقصة هو أفضل طاعة يمكن أن تؤديها طبيعتنا الضعيفة.

إن مقياس محبتنا لله، يبدو بإنصاف أنه مقياس محبتنا لكل فضيلة. علينا أن نحبها ونمارسها بكل قلبنا، وبكل نفسنا، وبكل فكرنا، وبكل قوتنا؛ وعندما نتوقف عن العيش بهذا الاهتمام بالفضيلة، فإننا نعيش بأدنى من طبيعتنا، وبدلاً من كوننا قادرين على التماس الرحمة لضعفاتنا، نقف في موضع المساءلة بتهمة الإهمال.

لأجل هذا السبب يحثنا الكتاب أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة: لأنه ما لم يكن قلبنا وعواطفنا تتوق وتميل للعمل لأجل تتميم خلاصنا؛ ما لم تحرك المخاوف المقدسة مساعينا، وتحفظ ضمائرنا يقظة وحساسة بشأن كل جانب من جوانب واجبنا، وتختبر باستمرار كيف نعيش، وكم نحن مستعدون للموت، فإننا في الأغلب سنسقط في حالة من الإهمال ونبقى في ذلك المسار من الحياة الذي لن يحملنا أبداً إلى مكافآت السماء. 

الإنسان الذي يفكر أن الإله العادل يستطيع فقط أن يقوم بمثل تلك الإعفاءات التي تتناسب مع عدله، وأن أعمالنا يجب أن يتم امتحانها جميعها بالنار، سيجد أن الخوف والرعدة هما الاتجاهان الملائمان لأولئك الذين يقتربون من محاكمة بمثل هذه العظمة.

بالتأكيد لا توجد أية احتمالية أن يقوم أي إنسان بفعل كل الواجب المتوقع منه، أو يقوم بذلك التقدم في التقوى الذي يتطلبه منه عدل الله، سوى الشخص الذي يخشى باستمرار من التقصير في بلوغ ذلك.

لكن هذا لا يُقصد به أن يستحوذ على عقول الناس بشكوك مقلقة، وباستياء في خدمة الله، بل أن يملأها بخوف منصف من الحياة في الكسل والتراخي، وفي إهمال لمثل تلك الفضائل التي سيفتقرون إليها في يوم الدينونة. هذا من شأنه أن يحمسهم للفحص الجاد لحياتهم، ولمثل تلك الغيرة، والعناية، والاهتمام بالكمال المسيحي، كما يعتادون أن يفعلوا في أي أمر قد كسب قلوبهم وعواطفهم. إن هذا يدفعهم فقط أن يكونوا شديدي الإدراك لحالتهم، وشديدي الاتضاع في تفكيرهم عن أنفسهم، وشديدي الجدية للسعي إلى درجات أسمى من التقوى، وشديدي الخوف من التقصير في بلوغ الفرح، مثلما كان القديس العظيم بولس، عندما كتب إلى أهل فيلبي: “ليس أني قد نلت أو صرت كاملاً ولكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضاً المسيح يسوع. أيها الإخوة أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع” ثم يضيف بعد ذلك، “فليفتكر هذا جميع الكاملين منا” (فيلبي 3: 12 – 15). 

لكن الآن، إن كان الرسول يحسبه ضرورياً لأولئك الذين كانوا في حالته من الكمال أن “يفتكروا” هكذا، أي بهذا الجهاد والتصميم والطموح إلى درجة أعلى من القداسة، التي لم يكونوا قد وصلوا إليها بعد، فبالتأكيد أنه ضروري أكثر بالنسبة لنا، نحن الذين ولدنا في نهاية الأيام، ونعمل تحت وطأة نقصات هائلة، أن “نفتكر” هكذا، أي بهذه الجدية والجهاد للوصول لمثل هذه الدرجات من الحياة المقدسة والإلهية، حيث أننا لم نصل إليها بعد