“رعاه كثيرون أفسدوا كرمى” – مقال من كتاب “الموت فى المدينه” Francis Schaeffer
نوفمبر 8, 2018
“حالة الإنسان الشقية” – مقال من كتاب “باسكال” Blaise Pascal
ديسمبر 6, 2018

“أبديه الجحيم 2” – المقال الثانى من كتاب “الخطيه خاطئه جدا” Ralph Venning

 

دعونا الآن ندرس الأسماء التي أعطيت لمكان الجحيم:

(i) يطلق على الجحيم أنه “سجن“. يتم وصف السماء بأشياء جذابة ومفرحة وبالمثل يتم وصف الجحيم بكل ما هو كريه وبغيض. السجن هو واحد من هذه الأشياء لذلك يطلق على الجحيم اسم السجن (متى 5: 25؛ 1بطرس 3: 19). المحابس والسجون العامة هي أسوأ الأماكن التي يمكن العيش فيها، لكن الجحيم أسوأ من أسوأ السجون.

(ii) يطلق على الجحيم “الهاوية” (رؤيا 9: 11). إبليس هو ملاك الهاوية. وهي حفرة لابد أن يُلقى فيها الخطاة ويسقطون بلا نهاية، لأنه لا قاع لها.

(iii) يطلق على الجحيم “أتون النار“. هذا أمر مريع: كان الأتون الذي عمله نبوخذنصر رهيباً، خاصة عندما حُمّي سبعة أضعاف أكثر من المعتاد، لكن الجحيم هو أسوأ أتون للنار (متى 13: 41 – 42). أولئك الذين يفعلون الإثم (الذين حرفتهم صناعة الخطية) سيتم إلقاؤهم في أتون النار الذي لن يفنيهم ولكنه سيعذبهم ويجعلهم ينوحون ويولولون ويصرّون على أسنانهم.

(iv) يطلق على الجحيم “البحيرة المتقدة بالنار والكبريت” (رؤيا 21: 8). هناك أشخاص محددون سيكون نصيبهم في البحيرة التي تحترق بالنار والكبريت. ستكون رؤوسهم وآذانهم مغطاة دائماً في هذه البحيرة، ولكنهم لن يغرقوا؛ سيظلون يشتعلون باستمرار ولكن النيران لن تحرقهم وتحولهم إلى رماد. في هذه الحالة سيكونون مثل العليقة التي كانت مشتعلة بالنيران ولكنها لا تحترق. كما كانت الكنيسة على الأرض هكذا سيكون الخطاة في الجحيم.

(v) يطلق على الجحيم “الظلمة التامة والخارجية“؛ فرغم أنه يحترق بالنيران والكبريت، إلا أن هذه اللهب تمثل حرارة الغضب وليس نور التعزية. الظلمة شيء رهيب، لكن أن يكون الإنسان في النار وفي الظلمة، أن يتعذب في اللهيب ويظل رغم ذلك في الظلمة، كم يمكن أن يكون هذا كئيباً؟ “اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية” (متى 22: 13). لذلك سيكون بلا جدوى أن تفكر في القيام بأية مقاومة، لأنك ستكون مربوطاً من يديك ورجليك وتكون في الظلمة كذلك. عن حق يُطلق عليها سلاسل الظلام (2 بطرس 2: 4)، وقتام الظلام إلى الأبد (يهوذا 6، 13).

ب – الشيء نفسه، “الجحيم”. سندرس الشيء نفسه بمسمياته، لأنه كما اسمه هكذا هو. أشهر وأكثر الأسماء المعتادة لهذه العقوبة هي “اللعنة”، وهي كلمة مرعبة. من يعرف كمّ ما تعنيه؟ إنها تجعل أجرأ قلب يرتجف، وأكثر الوجوه ثقة يسقط، وأكثر الأشخاص شجاعة وجسارة  يضعف، عندما يشعر بها. إذا كان سخط الله قد اشتعل قليلاً فقط، وكان رهيباً؛ فكم بالأحرى أكثر من ذلك عندئذ، عندما يكون السخط في أقصى حدوده؟ لأن هذا هو نقيض الخلاص الكامل. يسمى الجحيم على وجه الخصوص:

(i) الهلاك. بمعنى أنه الهلاك الأخلاقي، ليس هلاك لكيان الإنسان بل لسلامته. سوف يؤخذ الأشرار ويهلكون تماماً في فسادهم (2 بطرس 2: 12). وسوف يعاقبون بهلاك أبدي من وجه الرب (2 تسالونيكي 1: 8، 9). كان أفضل لهم لو لم يولدوا، أو لو ولدوا، لو لم يموتوا، أو لو ماتوا، لو لم يقوموا مرة أخرى، عن أن يهلكوا هكذا. إن حرمانهم من الله ومن الحياة الإلهية هو أسوأ موت (Hierocles).

(ii) إنه لعنة. إنها ستكون حالة ملعونة، تحت لعنة الله. فالله لم يقل فقط، “اذهبوا عني”، بل “اذهبوا عني يا ملاعين” (متى 25: 41). لا توجد أقل جرعة من البركة أو النعيم في هذه الحالة. إذا كان هناك الكثير من اللعنات التي كانت تخيّم على اليهود عندما كانوا على الأرض باستمرارهم في عدم توبتهم (تثنية 28: 16 – 20)، فكم تكون تلك الحالة من اللعنة مليئة باللعنات! هذا الوادي، وادي جهنم هو جبل عيبال، أي جبل اللعنات (تثنية 27: 13).

(iii) يطلق على اللعنة الموت الثاني (رؤيا 21: 8). وسيكون هذا موتاً غريباً ومعجزياً، موتاً حياً، موتاً لا يموت، فناء خالد. فهؤلاء الذين سيكون من نصيبهم هذا الموت سوف يعيشون، وسيكون الموت هو نصيبهم طوال حياتهم.

(iv) إنها حالة من الخزي والعار والازدراء. بالكاد يوجد شيء في هذا العالم لا نرغب في الشعور به مثل الشعور بالعار. فرغم أن اللص لا يخاف من السرقة، إلا أنه عندما يتم القبض عليه فإنه يشعر بالخزي والعار. هكذا سيكون نصيبهم هو الخزي والحيرة والازدراء. “كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي”. (دانيال 12: 2، 3).

2- كمية وكيفية عذابات الجحيم واللعنة. ستكون هذه العذابات هائلة ورهيبة إلى أبعد حد؛ ستكون شاملة؛ وبدون راحة أو انقطاع.

أ – ستكون العذابات هائلة ورهيبة للغاية. ستكون إلى الدرجة التي فيها سترتعش وترتجف أجسر القلوب. إذا كانت الكتابة على الحائط قد سببت تغيراً في ملامح وجه بلشاصر، وأفزعته أفكاره، حتى أن خرز حقويه انحلت واصطكت ركبتاه (دانيال 5: 6)، فمابالك بالهياج والاضطراب وارتعاش القلب الذي سينتجه يوم سخط ونقمة الله! ستجد لمحة من ذلك في رؤيا 6: 15 – 17، حيث ليس فقط العبيد، أي الأشخاص ذوي النفوس المتواضعة الضعيفة، بل العظماء أيضاً والأقوياء والأمراء وملوك الأرض، أي الأشخاص ذوي النفوس العظيمة الذين جعلوا الأرض ترتعش، كل هؤلاء سوف يخفون أنفسهم في المغاير وصخور الجبال وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف؟ لأنه لا عجب بالنسبة للعبيد أن تخور قلوبهم ويهربون، لكن بالنسبة للعظماء والأقوياء أن يهربوا ويختبئوا، هذا أمر غريب للغاية! لكنك ترى أن هذا يحدث بسبب الغضب، رغم أنه ليس سوى غضب حمل. إذاً ماذا سيفعلون عندما ينهض ويزأر مثل الأسد الذي من سبط يهوذا؟

إنه يوم الغضب، الذي هو يوم الرب الرهيب. إنه يوم النقمة التي لا تعرف الصفح. لأن الله الذي يسمع الصلاة الآن، لن يرق عندئذ لصراخهم؛ حتى رغم أنهم يصرخون يا رب يا رب. الله يتصرف دائماً كنفسه، كإله. عندما يظهر الرحمة فإنها تكون رحمة إله كل نعمة الذي هو غني في الرحمة ويحب حباً عظيماً: لذلك عندما يقضي بالغضب والنقمة، فإنه يشمّر عن ساعده ويضرب كإله. من يعرف قوة غضبه؟ لا أحد إلا الملعونين! المعنى هنا هو أن، التلقي المخيف للدينونة (كما هي في اليونانية، عبرانيين 10: 27) وغيرة النار العتيدة، هو الذي يصنع نوعاُ من الجحيم؛ إنه أمر مخيف للغاية الوقوع في يدي الإله الحي عندما يتصرف كإله النقمة، كما يتكلم الرسول في العددين 30، 31. فكم يكون مخيفاً إذاً أن يكون المرء في الجحيم نفسه تحت عذابات سخطه النافذ إلى الأبد؟

كما هو الإنسان هكذا قوته. إنها مجرد لعبة أن تُضرب بواسطة طفل. لكن أن تُضرب وتُجلد بواسطة رجل أو عملاق أصبعه الصغير أثقل من حقوي رجل، كم يكون الأمر مؤلماً! العصا لظهر الجهال، لكنها عندما تتحول إلى عقارب ويوقع الله نفسه بضرباته دون رحمة أو شفقة، كيف يكون هذا العذاب! الحجر الملقى من ذراع ضعيفة لن يؤلم كثيراً، لكن عندما تلقي يد الله وذراعه من السماء هذا السخط الذي يتم الآن التهديد به فقط ضد الفجار، وتلقي بهم إلى الجحيم كما يلقي القوي شخصاً من فوق كتفيه، كم سيجعلهم هذا يغوصون في أعماق الهاوية!

ب – عذابات الجحيم ستكون شاملة.

(i) العذابات نفسها ستكون شاملة. فلن تكون مجرد عذاب واحد أو اثنين بل كل العذابات مجتمعة معاً. الجحيم هو مكان العذاب نفسه (لوقا 16: 28). إنه مركز كل العقوبات، الحزن والألم، السخط والنقمة، النار والظلمة؛ فهذه كلها هناك كما أوضحنا بالفعل. إذا اجتاز إنسان الكثير من الآلام بسبب مرض واحد، فماذا يمكن أن تعني مجموعة معقدة من الأمراض؟ إذا كانت عقوبة واحدة، التعذيب بالمخلعة مثلاً أو غيرها من أساليب التعذيب، هي شديدة الإيلام، فكيف يمكن أن تكون كل أدوات التعذيب مجتمعة معاً؟ ماذا يمكن أن يكون الجحيم إذاً؟

(ii) الأشخاص الذين ستقع عليهم هذه العذابات سيتعذبون بطريقة شاملة. ليس فقط جزء واحد أو اثنين من الشخص، بل الشخص بأكمله. فالإنسان بأكمله قد أخطا لذلك سيعذب الشخص كله بالكامل؛ ليست النفس وحدها، أو الجسد وحده، بل النفس والجسد، كلاهما سيتعذبان بعد القيامة والدينونة. كل أعضاء الجسم كانت أدواتاً للنجاسة، وبالتالي كل أعضاء الجسد سوف تُعاقب. كما كان الإنسان نجساً من هامة رأسه إلى أخمص قدميه، هكذا سيتعذب. الحواس التي انغمس فيها البشر واستمتعوا بها ستمتليء بالألم والعذاب. سيكون هذا نقيضاً تاماً لتلك المتع والملذات التي استمتعوا بها في هذا العالم. العين التي استمتعت كثيراً بالجمال وعشقته لن ترى شيئاً عندئذ إلا الشياطين القبيحة والشيطانات المشوهات للبائسين الملعونين. والأذن التي كانت تطرب لصوت الموسيقى وأغاني الحب، لن تسمع سوى الصرخات المرعبة، وصرير الأسنان، وعويل الشياطين الملعونين. حاسة الشم التي كانت تنجذب إلى براعم الزهور والعطور الزكية لن تستمتع بعد ذلك بروائح مبهجة بل بروائح الكبريت البغيضة والنتن. التذوق الذي كان ينتعش ويتلذذ بأكل الدسم والأطياب وبأنواع الشراب لن يجد إلا حثالة كأس غضب وسخط  الله. عندئذ سيصبح اللمس والإحساس حساسين، ليس للأشياء الجميلة الحريرية، بل للنيران الملتهبة والسخط الناري الحارق.

النفس وكل ملكاتها لن تحظى بأفضل من ذلك. فالعقل سوف يتعذب بواسطة فهم الحق بقوة رهيبة. فذلك الذي كان يسخر منه باعتباره جهالة سيكتشف عندئذ أنه حقيقي بواسطة فقده، أي فقد سعادة الإنجيل. الضمير سيصبح مثل الأفعى اللاذعة، والدودة الناخرة. كما أن الإرادة سوف تتضايق وتغتاظ لأنه كانت لها طريقها الخاصة لمدة طويلة. عندئذ سيفكر البشر كم كان أمراً سخياً وفاخراً أن كانت لديهم إرادتهم، لكنهم هناك سيجدونها شيئاً شيطانياً.

ج – هذه العذابات ستكون بدون راحة أو انقطاع. سيتعذبون نهاراً وليلاً (رؤيا 14: 11). لن تكون لهم راحة. في هذه الحياة يكون نومنا مجرد فترة راحة فاصلة عن الهم والحزن والألم، لكن هناك، لن يكون هناك نوماً. فالله الذي ينفذ السخط وأولئك الذين يتم تنفيذ السخط فيهم لا ينعسون ولا ينامون. هنا قد يكون لهم نوع من الراحة وبعض لحظات العقل في جنونهم، لكن هناك، سيكون هناك ليل دائم بسبب ضيقات القلب. 

لا يمكنني أن أسترسل أكثر من ذلك دون أن أتوسل إليك، أيّاً كنت، يا من تقرأ هذه الكلمات. هل تريد شيئاً أكثر من ذلك لكي يثنيك عن الاستمرار في الخطية التي هي الطريق إلى الدينونة أكثر من التفكير في الدينونة، ويالها من دينونة، التي في نهاية طريق الخطية؟ لأجل خاطر نفسك اسمع وخف ولا تخطيء أيضاً. ماذا! هل تريد أن تدان؟ هل يمكنك أن تفكر بهدوء في أمر الذهاب إلى الجحيم؟ أليست لديك شفقة على نفسك الغالية؟ إذا قُدّر لك أن تذهب من القراءة عن الجحيم، إلى الجحيم نفسه، فإنك بالتأكيد ستقول، كان هناك نذير شؤم، ولم أكن أصدقه، لكني الآن أشعر به. لذلك فكّر في هذا وأيضاً فيما سيتبع.

3 – فترة دوام هذه العذابات. إنها ستكون إلى الأبد. فرغم أنها عظيمة، وشاملة وبدون راحة أو انقطاع، إذا عرفت أنه ستكون لها نهاية، سيكون في هذا نوع من التعزية. لكن هنا يكمن شقاؤها، فهي ستكون اليوم مثلما كانت بالأمس، وإلى الأبد. كما كانت في البداية هكذا ستكون دائماً وإلى الأبد، هي هي دائماً، إن لم تتزايد. هذا هو ويل العالم، وجحيم الجحيم، أنه ويل وجحيم إلى الأبد. فبعد أن يكون الخطاة في الجحيم ملايين وملايين السنين، سيكون الجحيم جحيماً كما كان في البداية. فالنيران المشتعلة لن تخمد أبداً والدود الذي يلتهم لن يموت أبداً – تم تكرار هذه الأمور ثلاث مرات بواسطة ربنا ومخلصنا في أصحاح واحد (مرقس 9: 44، 46، 48). إنه سيكون شقاء وبؤس مستمر، بل في الواقع أبدي. فهو عذاب أبدي ونار أبدية (متى 25: 41، 46).

4- لابد الآن أن ندرس المعذِبين أو الذين يقومون بإيقاع هذه العذابات. الذين سيعذبون الملعونين هم: إبليس، والضمير، والله نفسه.

أ – إبليس. المجرّب سيكون هو المعذِّب؛ فالخطاة لن يتعذبوا فقط مع الشياطين لكن أيضاً بواسطة الشياطين. سوف يُسلمون إلى السّجانين، المعذبين: “فهكذا أبي السماوي يفعل بكم” (متى 18: 34، 35)؛ أي أنه سيسلمكم إلى المعذبين. عندما تقوم الكنيسة بالحرمان الكنسي، الذي هو رمز لهذا، فإنها تسلّم إلى الشيطان؛ وعندما يقوم الله بالطرد والحرمان فإنه يسلّم كذلك إلى إبليس، قائلاً له، خذه أيها السجان، عذّبه أيها المعذِّب. كان الرسول يعتقد أنه بؤس شديد أن يقع في أيدي أناس أردياء غير عقلانيين وبالتالي فهو يصلي ويطلب صلوات الآخرين لأجله حتى لا يحدث ذلك. لكن إذا كانت مراحم الأشرار قاسية، فكم يا ترى تكون قسوة إبليس وجنوده، خاصة عندما يسلّم الله الناس إلى أيديهم؟ يا له من شقاء وبؤس أن يقع إنسان بين براثن إبليس! وأن يتعذب الإنسان من إبليس! إذا كان إبليس يفعل كل هذا العذاب الآن بإذن من الله، فماذا سيفعل عندئذ بتفويض منه، عندما لا يكون تحت أي مانع! إنه بما يفعله الآن يمكننا أن نخمن جيداً ما يمكن أن يفعله وما سيفعله عندئذ.

هناك الكثير من حالات خبث إبليس وثورته وقوته؛ فدعونا نأخذ مثالاً واحداً أو اثنين. نقرأ مثلاً عن إنسان كان يسكنه روح أخرس؛ “حيثما أدركه يمزقه فيزبد ويصر بأسنانه وييبس” (مرقس 9: 17 – 22). وعندما جاء أمام المسيح يسوع مزقه الروح الأخرس، حتى أنه سقط على الأرض وهو يتمرغ ويزبد. في كثير من الأحيان كان يلقيه في النار وفي الماء ليهلكه. أنت تعرف أيضاً كيف تعامل إبليس مع أيوب وذهب إلى أقصى حد فيما سُمح له به، ونجح تقريباً، لأنه جعل أيوب يلعن اليوم الذي ولد فيه، إلا أنه لم يلعن الله. فإذا كان إبليس الآن بينما لا يزال مقيداً بسلاسل وبحدود يمكنه أن يفعل كل هذا لتعذيب إنسان، فكم يكون محزناً بالنسبة للبشر عندما يقعون في يدي إبليس بتفويض من الله! عندما يقول له الله، خذه يا إبليس، خذه، أيها السجان! واذهب إلى النار معه! افعل أسوا ما لديك معه! من يمكنه أن يحتمل ثورة إبليس وحسده عندما يُشحذ بأمر من الله! إنها الخطية النجسة الخاطئة تلك التي سلمت الإنسان إلى يدي إبليس!

ب- الضمير هو المعذّب الثاني. أعني الضمير المتأمّل، المتهِم، الموبِخ. من بعض النواحي يعتبر هذا عذاب أعظم مما يمكن لأي شيطان أن يوقعه، لأن الضمير موجود داخلنا، بينما إبليس خارجنا. وما هو في الداخل له تأثير أكبر علينا، سواء في التعزية (1 يوحنا 4: 4) أو في التعذيب (مرقس 9: 44). إن الدودة التي لا تموت أبداً موجودة داخل الإنسان. إنه أمر مرعب أن يأكلك الدود، أن تشعر باستمرار بالخوف والضيق من نخر الديدان، لكن هذه الدودة تنخر في الروح، التي هي أرق من حدقة العين. الروح المنسحقة من يمكنه احتمالها! غرق يهوذا تحت ثقل حملها وهكذا يفعل الكثيرون أيضاً. لكن إذا كان الضمير يصبح رهيباً جداً عندما يستيقظ هنا، فكيف سيكون عندما يكون الإنسان مقتنعاً بالكامل بخطاياه وتكون مصفوفة أمام عينيه هناك (مزمور 50: 21)؟ كيف سيجلد الضمير البشر عندئذ؟ يشبه الأمر عندما يقوم مدراء المدارس بمحاسبة تلاميذهم على حماقاتهم: الأولى لأجل هذا، ثم يضربه جلدة؛ والثانية لأجل هذه، ثم يضربه جلدة أخرى، وهكذا. كذلك أيضاً سيقول الضمير: كان الخلاص معداً، وكانت النعمة مقدمة، ثم يقوم بعد ذلك بجلدك لأنك تجاهلت مثل هذا الخلاص العظيم وحولت النعمة إلى الدعارة. ثم يتبع ذلك التهمة التالية. فيقول الضمير: لقد عرفت أن أجرة الخطية هي موت وأن دينونة الله عادلة، ومع ذلك كنت تقوم بأمور مثل هذه؛ وبعدها يقوم الضمير بوخزك وتعذيبك، بجلدك وضربك. الأمر التالي: بعد أن تقيأت نجاستك واغتسلت من قذارتك، عدت مرة أخرى مثل الكلب إلى قيئك ومثل الخنزير للتمرغ في الوحل. ثم يقوم الضمير بجلدك مرة أخرى. لو تم سجن إنسان ظلماً، سيكون في ذلك نوعاً من تخفيف وطأة الألم، بعض الراحة، لكن عندما يدين الإنسان نفسه ويجد أن خرابه هو من نفسه، وأن شره يرجع إلى حضنه مرة أخرى، تكون هذه هي لدغة الموت واللعنة.

ج – الله سيعذبهم؛ ليس فقط إبليس والضمير، لكن الله نفسه. رغم أنه في هذه الحياة يسمح الله لنفسه بأن يُضغط ويتضايق بخطاياهم تماماً كما يتم ضغط عربة القش لأسفل مع الحزم، لكنه في النهاية سوف يُظهر قوته في الانتقام لنفسه من كل الأشرار. إنه يبدو الآن أن لديه قدمان رصاصيتان وأنه بطيء الغضب؛ لكن عندئذ سوف تُكشف يداه الحديديتان. هنا على الأرض نجد الله صبوراً وإذا حاكم، في وسط الغضب يذكر الرحمة؛ فهو لا يتعامل مع البشر بحسب ما تستحق شرورهم وآثامهم. لكنه هناك سيكون مفرطاً في العقاب؛ الرب نفسه سوف يُمطر على الخطاة الأشرار ناراً وكبريتاً وريح السموم (مزمور 11: 5، 6). سيكون هذا هو نصيب كأسهم من الرب. سيشربون من خمر سخط الله الذي يُسكب خالصاً في كأس غضبه. سوف يعذبون بالنار والكبريت في حضور الملائكة المقدسين والحمل (رؤيا 14: 10، 11). في بعض الأحيان عندما يشك القضاة في أن ضباطهم سينفذون الحكم بطريقة سليمة، يجعلون تنفيذ الحكم يتم في حضورهم، وتحت نظر كل المحكمة والجماعة. هكذا سيكون الأمر مع الخطاة، “ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين، ولا تكون راحة نهاراً وليلاً”.

5- يجب الآن التأمل في بشاعة وتفاقم هذه العذابات. لقد تفاقمت الخطية للغاية وهكذا ستكون العذابات أيضاً. ستكون هناك درجات للعذاب. فرغم أنها ستكون غير محتملة بالنسبة للجميع، إلا أنها ستكون أكثر احتمالاً للبعض عن البعض الآخر (متى 11: 21 – 24). في حالات معينة، كما يلي، ستكون العذابات متزايدة:

أ – بالنسبة لأولئك الذين عاشوا فترة طويلة في الخطية. كلما عاش الناس فترة أطول في الخطية وهم على الأرض كلما كانت عذاباتهم أعظم في الجحيم. “الخاطيء يُلعن ابن مئة سنة” (إشعياء 65: 20). فقد كان لفترة طويلة يذخر لنفسه غضباً في يوم الغضب. لذلك فلديه حساب أعظم ليدفعه نظير كل صبر الله واحتماله له. بعض الناس يغتنون عن طريق أخذ ممتلكات آخرين؛ إذ يترك الناس أموالهم في أيديهم ولا يطلبونها، وهكذا يغتنون هم بها. بنفس الطريقة يغتني الأشرار بالغضب عن طريق إساءة استخدام صلاح الله وصبره. لكن الله يحتملهم ولا يدخل في محاكمة معهم وبذلك يغتنون. لكن ياللأسف، إنهم يكنزون الغضب.

ب – البشر الذين كان لديهم الكثير من الوسائط. كلما تحملهم الله وضحّى أكثر لأجلهم وكلما زاد ألمه منهم، إذا استمروا في عدم التوبة، كلما كانت عقوبتهم أقسى. لو لم يكن المسيح قد جاء لما كانت لهم مثل هذه الخطية. هذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة. كفرناحوم التي كانت مرتفعة إلى السماء، أي من ناحية وسائط النعمة التي تمتعت بها، سوف تهبط إلى الجحيم في النهاية (متى 11: 23). إن السقوط من الأرض إلى الجحيم يكون سقوطاً عظيماً، لكن السقوط من السماء إلى الجحيم سيكون أعظم. أن تذهب من تركيا إلى الجحيم سيكون أمراً محزناً، لكن أن تذهب من انجلترا إلى الجحيم، ومن لندن إلى الجحيم، آه، كم سيكون هذا أمراً محزناً للغاية ويُرثى له!

ج – كلما زادت القناعات التي لدى البشر، كلما عظمت دينونتهم؛ بمعنى، كلما زادت المعرفة التي حصلوا عليها بدون ممارسة وتحسين لذواتهم (لوقا 12: 47). ذلك العبد الذي عرف مشيئة السيد ولم يفعل بموجبها سوف يُضرب كثيراً. لأنه كان خيراً لهم لو لم يعرفوا طريق البر، من أنهم بعد ما عرفوا يرتدون عنه (2 بطرس 2: 21). فالذي يعرف أن يفعل حسناً ولا يعمل، فذلك خطية له، أي خطية عظيمة أو خطية مشهودة ودينونة بنقمة. فكيف يمكن لهم أن ينجوا من الدينونة العظيمة أولئك الذين يتجاهلون ويهملون الخلاص العظيم؟ مثل هؤلاء الناس سيقعون تحت دينونة الله التي لا تُرد (رومية 1: 32 بالمقارنة مع رومية 2: 1، 2، 3).

د – كلما تمادى الناس أكثر في احتراف ديانة ما كلما عظمت دينونتهم! فقد ذهبوا إلى مدى بعيد لكن بدون قوة التقوى. أصحاب الديانة الشكلية والمراؤون سيلاقون أسوأ ما في الجحيم: “كيف تهربون من دينونة جهنم” (متى 23: 33)؟ ليس فقط الجحيم لكن دينونة الجحيم، جحيم الجحيم! فصورة التقوى وقوة الفجور سيكون حسابهما مماثلاً في ذلك اليوم (متى 24: 51 بالمقارنة مع لوقا 12: 46).

هـ – المرتدون سيلاقون عذابات متزايدة في الجحيم. المرتد سوف يمتليء بنفس طرقه الخاصة؛ وتكون أواخره أشر من أوائله (2 بطرس 2: 20). كان خيراً لهم لو أنهم ماتوا في خطاياهم منذ البداية بدلاً من أن يموتوا موتاً مضاعفاً كما هم الآن (يهوذا 12).

6- التزايد والتفاقم الكثير جداً للعذاب. لابد الآن أن نتأمل في أثر هذه العذابات.

أ – حزن لا يوصف. سيكون هناك تأوّه وتنهّد وأنين لا يمكن التعبير عنه، بكاء وعويل وصرير الأسنان (متى 8: 12). الغضب والسخط والضيق والغيظ، بل وحتى الجنون والثورة، ستكون آثار هذا العذاب.

ب – كآبة وألم لا يمكن احتماله. إذا كان البرق والرعد والزلازل تجعل البشر يخافون ويرتجفون معاً، فماذا سيفعل معهم الجحيم؟ إذا كان وجع الأسنان أو نخر النقرس يجعل الإنسان يشعر بتلك الآلام المبرحة، فماذا سيفعل الجحيم! إذا كان المرض يجعلنا نخاف الموت، والخوف من الموت رهيب جداً، فكيف سيكون الجحيم! إذا كنت، مثل فيلكس، ترتعب للسماع عن هذه الدينونة الآتية، فماذا ستفعل إذا اجتزت بها! إذا كانت رؤية الأشكال الشيطانية القبيحة المفزعة تخيفنا، فكيف سيكون الحال إذا كنت مع الشيطان نفسه وملائكته؟

ج – عدم توبة وتمادي نهائي وأبدي. سيكون هذا هو الأثر المحزن لهذه العذابات واليأس، الذي يصل حتى إلى اللعن والتجديف. فالذي يموت في تماديه وعدم توبته يستمر كذلك إلى الأبد؛ وعدم التوبة يأتي معه التجديف. “فيعبرون فيها مضايقين وجائعين ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون ويسبون ملكهم وإلههم” (إشعياء 8: 21). لقد اقتبست هذه الآية لكي أوضح كيف يكون القلب خائفاً ومتضايقاً وهو واقع تحت العذابات. هذا الأمر شائع جداً مع الناس الذين يشعرون باليأس وبالتالي يصبحون يائيسين ويفقدون الأمل. عندما يحترق الناس بحرارة رهيبة، فإنهم يجدفون على اسم الله ولا يتوبون ليعطوه المجد. “وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع وجدفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم”  (رؤيا 16: 10، 11). عندما تقع كوارث الله على الخطاة غير التائبين، تكون هناك لعنات. رغم أنهم قد يأسفون لأجل الكوارث، إلا أنهم لا يأسفون لأجل سبب هذه الكوارث، أي خطاياهم. لذلك يستنتج الكثيرون أنه إذا كانت هذه الكوارث، التي تعتبر أقل كثيراً من تلك التي في الجحيم، تثير ضيق الناس بمثل هذه الدرجة، فإن ضربات وأوبئة الجحيم ستفعل أكثر من ذلك كثيراً. وهكذا نرى مدى اليأس والبؤس الذي يقاسي منه الملعونون ومدى نجاسة الخطية التي أتت بمثل هذه الدينونة.

لقد تعاملت الآن مع الطريقة التي تعتبر بها الخطية مناقضة لخير الإنسان في هذه الحياة وفي الحياة الآتية. لكن قبل أن أستكمل، لكي أستحضر الشهود لإثبات أن هذه التهم الموجهة ضد الخطية حقيقية وصادقة، دعني أحثك أيها القاريء، أن تفكر وتتأمل فيما قلناه. إنني أفعل هذا حتى تكون خائفاً من الخطية أكثر من خوفك من الجحيم؛ لأنه لولا الخطية، لما كان هناك جحيم، وأنت لن تكون أبداً في الجحيم إذا تبت وآمنت بالإنجيل، لأن البر ليس بالتوبة بل بالإيمان. لذلك آمنوا وأحبوا الإيمان كما تحبون أنفسكم والسماء. أبغضوا الخطية وتجنبوها كما ترغبون أن تفعلوا مع الجحيم والدينونة. لا تخطيء بعد، لئلا يكون لك أشر، لئلا تتحول العصا إلى عقرب، ولئلا تكون الخسارة التالية هي فقد السماء، ولئلا يكون المرض التالي هو للموت، ومن الموت إلى الدينونة. إذا مت في الخطية فأنت مدان لا محالة. سيكون من المحزن أن تموت في مستشفى أو في سجن أو غيره؛ لكن الأسوأ أن تموت في الخطية، تماماً كما أن الأسوأ أن تعيش في الخطية. إذا استمريت وتماديت في الخطية، فإن هذا الكتاب سيكون بالمثل شاهداً عليك، إن لم يكن أكثر، أكثر مما لو قام ميت من الأموات. إذا جاءك اثنان أو ثلاثة من الشياطين أو الشيطانات الملعونين من الجحيم وصرخوا، نار، نار، قد يفزعك هذا، لكنك إن كنت لم تؤمن بموسى والأنبياء والمسيح ورسله، لن يفيدك هذا شيئاً.

لذلك، فكر في سلامة نفسك، ولا تأتي لنفسك بمثل هذه الدينونة العظيمة، الشاملة، غير المحتملة والأبدية. خذ حذرك لئلا إذا التهمت النيران لحمك وجسدك ولُعِنت نفسك، تقول بعد فوات الأوان: “كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ ولم أسمع لصوت مرشدي ولم أمل أذني إلى معلمي” (أمثال 5: 11 – 13). عندئذ سوف تقول: كيف كافأت نفسي بالشر بفعل الشر ضد الله! لقد احتقرت هذه الأشياء وانخدعت بالخطية، والآن إذا رغبتُ في السماع وإذا رغبتُ في الرجوع أجد الرجاء قد هلك. ستكون هذه هي الصرخة الرهيبة للخطاة في يوم من الأيام. لذلك احذر، لأنك لو لم تكن ترتدي لباس العرس، ستُطرح خارجاً (متى 22: 11). وإذا وجد أنك عامل للشر، لابد أن تخرج مداناً.